إدريس عليه السلام
ورد ذكر إدريس عليه السلام في القرآن مرتين:
- فقد أثنى الله عز وجل على إدريس عليه السلام ووصفه بالنبوة والصديقية فقال سبحانه وتعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً * وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً ) [مريم: 56 – 57].
اختلف في المكان العلي على أقوال منها : أنه الجنة ، وقال بعضهم إنه رفع ولم يمت كما رفع عيسى ، قال ابن حجر : وكون إدريس رفع وهو حي لم يثبت من طريق مرفوعة قوية (1).
وذكر آخرون أنه سأل خليلا له من الملائكة أن يسأل ملك الموت عن عمره فحمله إلى السماء الرابعة فتلقاه ملك الموت منحدرا ، فكلمه الملك وسأله فقال له ملك الموت : وأين إدريس ؟ فقال : هو ذا على ظهري ، فقال ملك الموت : العجب بعثت وقيل لي اقبض روح إدريس في السماء الرابعة ، فجعلت أقول : كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض ؟ فنظر الملك إلى تحت جناحه فإذا إدريس قد قبض وهو لا يشعر.
قال ابن كثير بعد أن أورد الخبر : هذا من الإسرائيليات وفيه نكارة والله أعلم . (2)
- ووصفه بالصبر قال تعالى: ( وَإِسْمَٰعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّٰابِرِينَ) ]سورة الأنبياء(85)[.
قال ابن حجر واستشكل بعضهم كون نوح أول الرسل بإدريس ، ثم أجاب بأنه لا يرد لأنه اختلف في كونه جد نوح (3) .
فيرى فريق من العلماء أن أخنوخ أو خنوخ - على اختلاف في ضبطه - جد نوح هو إدريس عليه السلام منهم البخاري حيث قال في صحيحه (باب ذكر إدريس - عليه السلام - وهو جد أبي نوح ويقال جد نوح عليهما السلام ) (4)
وكذلك ابن كثير قال : فإدريس عليه السلام قد أثنى الله عليه ووصفه بالنبوة والصديقية وهو خنوخ ، وهو في عمود نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكره غير واحد من علماء النسب (5) .
وجزم الماوردي بهذا فقال : أخنوج بن يارد وهو إدريس ، وولد بعد مائة واثنتين وستين سنة من عمر يارد ، وهو نبي على قول جميع أهل الملل . (6)
كذلك ابن تيمية قال : وقد كان قبله - أي نوح - أنبياء كشيث وإدريس (7).
وأما تسميته بإدريس فقال بعضهم : لكثرة ما كان يدرس من كتب الله تعالى ، فاشتقاقه من الدراسة ، وهذا إذا قيل إنه عربي ، وقد قيل إنه سرياني .
قال ابن حجر : ولا يمنع ذلك كون لفظ إدريس عربيا إذا ثبت بأن له اسمين. (
ونسبت إلى إدريس أوليات منها : أنه أول من خط بالقلم ، وأول من لبس الثياب - وكانوا يلبسون الجلد - وأول من اتخذ السلاح ، وأول من وضع الأوزان والكيل. (9)
وهذا النوع مما يروى ويحدث عن بني إسرئيل ولا حرج.
وفي المقابل يرى فريق آخر أن إدريس - المذكور في القرآن - ليس من أجداد نوح - عليه السلام - بل من أبنائه ويستدلون لذلك بالحديث الذي سيأتي ( مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح)كما قال آدم وإبراهيم عليهما السلام .
قالوا : فلو كان في عمود نسبه صلى الله عليه وسلم لقال له كما قالا عليهم الصلاة والسلام ، وأجاب الأولون بأن هذا لا يدل ولا بد لأنه قد يكون الراوي لم يحفظه جيدا ، أو لعله قاله له على سبيل الهضم والتواضع ولم ينتصب له في مقام الأبوة كما انتصب آدم الذي هو أبو البشر وإبراهيم الذي هو خليل الرحمن ، فليس ذلك نصا فيما ذهبوا إليه . (10)
وذكر بعض هؤلاء أن إدريس هو إلياس وبالتالي هو من ذرية نوح . (11)
مكان إدريس عليه السلام في السماء:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن مالك بن صعصعة رضي الله عنه، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «في حديث الإسراء»:
«... ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح. فقيل: من هذا؟ قيل: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد – قيل: أو قد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء. ففتح. فلما خلصت فإذا إدريس. قال: هذا إدريس فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح...» (12).
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدث لما عرج به إلى السماء قال: «أتيت على إدريس في السماء الرابعة»(13).
___________________________
(1) فتح الباري(6/375) .
(2) تفسير ابن كثير(3/33) البداية والنهاية(1/93) .
(3) فتح الباري(6/372).
(4) البخاري كتاب الأنبياء باب رقم(5).
(5) البداية والنهاية(1/92).
(6) أعلام النبوة للماوردي ص(62).
(7) النبوات لابن تيمية(173).
(
فتح الباري(6/373).أعلام النبوة للماوردي ص(62) تفسير القرطبي(7/58).
(9) المراجع السابقة مع البداية والنهاية(1/92) .
(10) فتح الباري(6/373) البداية والنهاية(1/93) .
(11) البخاري كتاب الأنبياء باب رقم(4) فتح الباري(6/373).
(12) أخرجه البخاري رقم (3207، 3887، 3393، 3430)، ومسلم برقم(164).
(13) أخرجه البخاري (7517)، ومسلم (162).