بسم الله الرحمن الرحيم
تتنادى دول العالم بتكتلاته السياسية، والقوى والنظم الدولية، بين الفينة والأخرى إلى اتفاقيات ومحادثات تهدف إلى المحافظة على السماء خالية من الملوثات والمكدرات، فيتحدثون عن ثقب في طبقة الأوزون، وأخطار ذلك على الحياة في الأرض، وما ينجم من ارتفاع درجة حرارة الأرض من مخاطر محدقة بالكثيرين، إلى ما هنالك من المخاوف والمحاذير، إلا أن ثمة تلوثاً آخر في السماء أكثر خطراً, وأعظم ضرراً، قلَّما يُتَحَدث عنه, إنه تلوث عقدي أخلاقي سلوكي فضائحي عارم، إنه تلوث يحكي صوراً من الانفلات والبُعاد عن شريعة الله، تلوثً يعمل على إضعاف صلة الناس بربهم, ويوهن علاقتهم بدينهم، ويردهم القهقرى في أخلاقهم.
هذا التلوث يتجاوز ضرره دنيا الناس وعاجل حياتهم، إلى الإضرار بدينهم وآخرتهم، ويقلص من حرصهم على رضا خالقهم, هذا التلوث لا ينحصر ضرره على ثقب في طبقة الأوزون، ولكنه يُحدث في بيوتات المسلمين خروقاً تتسع على الراقع, وتترك الديار خراباً يباباً.
هذا التلوث يتمثل في هذا السيل الهادر من الإسفاف الفضائي الذي يزعزع العقائد, ويهدم الأخلاق, في فضائيات الدجل تارة، وفضائيات الإسفاف الأخلاقي تارات أخرى, أو قد يخرج من خلال شاشاتها على المسلمين مفتون لا يقدرون للفتوى قدرها, وأنها تكليف قبل أن تكون تشريفاً, وقد تغتال هذه القنوات الطفولة بما تبثه لهم من أنواع الرذائل والجرائم في صورٍ كرتونية، فتنغص على الناس صفو حياتهم، وتكدر عليهم بيوتاتهم، فتغري النساء والولدان بما يُزَيَّن للناظرين مما لا تناله أيديهم, ولا يقدرون عليه طولاً، وتزعزع الأمن الفكري للمجتمعات المسلمة التي هي أحوج ما تكون إلى الأمن في جميع صوره في عصر الحروب والقلاقل.
وبعد كل هذا الضياع والإضلال المتعمد تطل هذه الفضائيات بوجهها القبيح على المسلمين مع قرب كل إطلالة لهذا الشهر الفضيل: رمضان, تبشرهم بما ستمطره عليهم من الانحطاط الأخلاقي، والحرب العقدية في ليالي رمضان وأيامه المباركات، فيا لله العجب؛ شياطين الجن تصفد, وينطلق هؤلاء: أبالسة البشر, وشياطين الإنس لإغواء عباد الله!!.
على حين غفلة من أهل الحق تسلط هؤلاء الشراذم الأقزام على مائدة رمضان, فاقتطعوا من أوقات الناس ما ملؤه ضجيجاً وعجيجاً, ومعاصي ومنكراتٍ تحت مسميات: السهرات الرمضانية، والفوازير والمسلسلات, والبرامج المضحكات، التي تزيد من رقعة الغفلة، وتوسع هوة الانفلات من الأحكام الشرعية والأخلاق الإسلامية المرعية، ورمضان لم يكن يوماً من الأيام مضماراً للمسابقات، ولا للمسلسلات التي تسلسل عقول الناس بالمنحط من الصور والأطروحات، نعم كان رمضان ميدان سباقٍ للمجتهدين المتهجدين، وموئل عباد الله الذاكرين، وكانت جنبات المساجد ميادين مسارعة إلى رضوان الله، فما كان المصلون للتراويح يخرجون إلا قرب بزوغ الفجر، وفروع الصباح, أمَّا هذه الصورة المقيتة وما يريدون إبراز رمضان فيه, فهو نتاج ما زنته في عقولهم الشياطين, فولَّدت هذه الصورة المشوَّهة التي يعملون لأجلها.
ثم كانت ثالثة الأثافي حين تطاول هؤلاء الأقزام على عظماء الأمة ورجالات الإسلام, والكوكبة المباركة ممن كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة الأبرار، فصوَّرُوهم تمثيلاً، وأبرزوا جوانب من سيرتهم تضليلاً, وهكذا تنقض عرى الدين، وتغزى ديار المسلمين والله المستعان.
هؤلاء الصحابة الذين هم أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً، وأقلهم تكلفاً، من شاهدوا التنزيل، وناصروا الرسول صلى الله عليه وسلم بالنفس والنفيس، خيار الناس بعد النبيين، رهبان الليل وفرسان النهار، يُتخذون غرضاً تنتضلهم سهام أهل العفن, فيا تُرى ماذا يراد بنا أيها المسلمون؟.