قصة نوح عليه السلام (2)
وصية نوح عليه السلام لابنه عند الموت:
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أهل البادية، عليه جبة سيجان مزرورة بالديباج فقال: «ألا إن صاحبكم هذا قد وضع كل فارس ابن فارس، أو قال: يرى أن يضع كل فارس ابن فارس، ورفع كل راع ابن راع».
قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجامع جبته وقال: «ألا أرى عليك لباس من لا يعقل!؟».
ثم قال: «إن نبي الله نوحًا عليه السلام لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاص عليك الوصية، آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين: آمرك بلا إله إلا الله فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة، ووضعت لا إله إلا الله في كفة، رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة قصمتهن لا إله إلا الله.
وسبحان الله وبحمده، فإن بها صلاة كل شيء، وبها يرزق الخلق، وأنهاك عن الشرك والكبر».
قال: قلت – أو قيل – يا رسول الله هذا الشرك قد عرفناه، فما الكبر؟ أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان؟ قال: لا، قال: هو أن يكون لأحدنا حلة يلبسها؟ قال: لا. قال: هو أن يكون لأحدنا دابة يركبها؟ قال: لا. قال: هو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه؟ قال: لا، قلت – أو قيل – يا رسول الله فما الكبر؟قال: «سفه الحق وغمط الناس».(1)
* السيجان: قال ابن الأثير: جمع ساج وهو الطيلسان الأخضر، وقيل: «هو الطيلسان المقور».
* مزرورة بالديباج: الزر وهو معروف قال أبو عبيد: أزرت القميص إذا جعلت له أزرارًا.
* في كفة: كفة الميزان وهي معروفة.
* كن حلقة مبهمة: الأمر المبهم: الخفي الذي لا يستبين، أي مسمتة الجوانب غير مقطوعة.
* سفه الحق: الاستخفاف بالحق وأن لا يراه على ما هو عليه من الرجحان والرزانة.
* غمص الناس: بالصاد وهو احتقارهم وأن لا يراهم شيئًا. وقال الزمخشري(2): «الغمز والغمص والغمط، أخوات في معنى العيب والازدراء».
__________________
(1)رواه الإمام أحمد(6583) ط.الرسالة.قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح، الصقعب بن زهير روى عنه جمع، ووثقه أبو زرعة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبو حاتم: شيخ ليس بالمشهور، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين.
وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (548) عن سليمان بن حرب، شيخ أحمد، عن حماد، به. وفيه: قال حماد: لا أعلمه إلا عن عطاء بن يسار. وهذا الشك من حماد لا تؤثر في صحة الإسناد، لأن الحديث سيرد برقم (7101) بإسناد آخر إلى الصقعب بن زهير، وليس فيه شك برواية زيد عن عطاء.
ونقله الحافظ ابنُ كثير في "تاريخه" 1/119 عن هذا الموضع من "المسند"، وقال: وهذا إسناد صحيح، ولم يخرجوه.
وأخرجه البزار (2998) من طريق وهب بن جرير، عن أبيه، عن الصقعب بن زهير، به.
ثم أخرجه البزار (3069) من طريق محمد بن إسحاق، عن عمرو بن دينار، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب. فقال ابنُ كثير في "تاريخه" 1/119 -بعد أن ساقه من رواية الطبراني من طريق محمد بن إسحاق، بإسناد البزار المذكور، لكن من حديث ابن عمرو بن العاص-: والظاهر أنه عن عبد الله بن عمرو بن العاص كما رواه أحمد والطبراني.
وأورده الهيثمي بطوله في "المجمع" 4/219-220، وقال: رواه كله أحمدُ، ورواه الطبراني بنحوه، وزاد في روايته: وأوصيك بالتسبيح، فإنها عبادةُ الخلق، وبالتكبير، رواه البزار من حديث ابن عمر ... ورجال أحمد ثقات.
ثم أورده الهيثمي مقطعاً في موضعين 5/133 و142. وقال في الموضع الأول: رواه البزار وأحمد في حديث طويل تقدم في وصية نوح عليه السلام في الوصايا، ورجالُ أحمد ثقات. وقال مثله في الموضع الآخر دون أن ينسبه إلى البزار.
ثم أورده الهيثمي أيضاً من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب 10/84، وقال: رواه البزار، وفيه محمدُ بنُ إسحاق، وهو مدلس، وهو ثقة، وبقية رجاله رجال الصحيح. ثم قال الهيثمي: وقد تقدم هذا من حديث عبد الله بن عمرو في الوصايا في وصية نوح.
قلنا: كأن الهيثمي لم يطلع على ما رجحه ابنُ كثير من أن الحديث حديث عبد الله بن عمرو.
وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" بإثر الحديث (548) عن عبد الله بن مسلمة -وهو القعنبي-، عن عبد العزيز -وهو الدراوردي-، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمرو، أنه قال: يا رسول الله، أمن الكبر؟ ... نحوه. قلنا: وهذا إسناد منقطع.
وقوله: وآمرك بـ"لا إله إلا الله"، فإن السماوات السبع ... الخ، سيرد على أنه من كلام نوف البكالي في الحديث (6750) من المسند ط الرسالة
والحديث صححه ابن كثير في البدية والنهاية(1/119) وأحمد شاكر في تعليقه على المسند(6583)
كذا صححه الشيخ الألباني في "الأدب المفرد"(548) ، وفي "الصحيحة"(134(
(2) انظر: الفائق (1/598).