******************
( يا أيُّها الَّذينَ آمنُوا اجتَنِبوا كَثِراً مِنَ الظّنِّ . إنْ بَعْض الظنِّ إثْمٌ . وَلا تَجَسسُوا . وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُم بَعْضاً ،
أيُحِبُّ أحَدُكُم أنْ يأكُلَ لَحْمَ أخيِهِ مَيْتاً فكرهتموه ، واتّقُوا اللّهَ ، إنَّ اللهَ تَوّابٌ رَحِيمٌ )
هذه آية كريمة تقرر مبادئ هامة من أصول الأخلاق الاجتماعية ، وتنهى عباد الله المؤمنين عن أخلاق لازمة ولاصقة بكثير من المجتمعات ،
وقد ابتلى بها كثير من الناس ، فظنوا بالآخرين سوءاً فوقعوا بالآثام ، وساروا في الظلام ،
إذ أنهم لم يهتدوا بنور الإسلام ، ولو اهتدوا بهدي الله عز وجل لما ظنوا سوءاً ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا اغتابوا ،
إذ للمؤمن عند الله حرمة ، وأي حرمة ، فصان كرامته وشرفه وحفظ له دمه وعرضه وماله بعد أن خلقه
فأحسن الخلق وأكرمه بسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم
وتضمنت الآية الكريمة نهي الله عز وجل عن الغيبة ، وهي : أن يذكر الإنسان أخاه المسلم في غيبته بما يكره ،
سواء كان الذكر صراحة أو كتابة أو إشارة أو رمزاً . وسواء كان ما اغتابه به متعلقاً بدينه أو بدنياه ، بخلقه أو خلقه ،
وسواء أكان متصلاً به أو بمن له به رابطة أو صلة ، من ولد أو زوجة أو أب وأم .
ونحرم غيبة المسلم وخاصة المعروف بالصلاح ، وكذلك مستور الحال وبصورة مطلقة
إلا المجاهرين بالفسق والداخلين في مواطن الريب ، فإنه لا تحرم غيبتهم .
وقد نقل الإمام القرطبي رحمه الله تعالى إجماع المسلمين على أن الغيبة من الكبائر ،
وبعد أن صورها الله سبحانه أبشع تصوير في آخر الآية ، فلا يصح أن تعد في الصغائر .
ويجوز لمن ظلم أن يشكو ظالمه ، ويذكر ما فعله معه مما يعد عيباً ، كما يجوز لمن يريد تغيير منكر أن يذكر ذلك المنكر للقادر على تغييره ،
كما يجوز ذكر ما في الولاة والقضاة من شر للقادر على عزلهم وتغييرهم ولا يعد هذا من الغيبة .
قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره :
والغيبة محرّمة بالإجماع ، ولا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته ، كما في الجرح والتعديل والنصيحة ،
كقوله صلى الله عليه وسلم لما استأذن عليه الرجل الفاجر : " ائذنوا له وبئس أخو العشيرة " .
وقد فسّر الشارع الحكيم الغيبة تفسيراً واضحاً ، فقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود رحمه الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قيل يا رسول الله ما الغيبة ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " ذكرك أخاك بما يكره " ، قيل : يا رسول الله أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته " . والبهتان كذب وزور ، والغيبة إثم وفجور وكلاهما شر وثبور .