قصة آدم عليه السلام (4)
هيئة آدم عليه السلام:- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خلق الله آدم على صورته، وطوله ستون ذراعًا، ثم قال: اذهب فسلم على أولئك النفر – وهم نفر من الملائكة جلوس – فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فذهب فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليكم ورحمة الله، فزادوه ( ورحمة الله) فكل من يدخل الجنة على صورة آدم في طوله ستون ذراعًا، فلم تزل الخلق تنقص بعده حتى الآن)(1).- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قاتل أحدكم أخاه، فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته»(2).(3)نفخ الروح في آدم عليه السلام:من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لما نفخ في آدم الروح مارت وطارت، فصارت في رأسه، فعطس، فقال: الحمد لله رب العالمين، فقال الله: يرحمك الله )(4).تعليم آدم الأسماء كلها:- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يجمع الله المؤمنين يوم القيامة، كذلك فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا حتى يرجعنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أما ترى الناس؟خلقك الله بيده، وأَسجد لك ملائكته، وعلَّمك أسماء كل شيء، اشع لنا إلى ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيقول: لست هناك – ويذكر لهم خطيئته التي أصاب – ولكن ائتوا نوحًا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض... الحديث)(5) اللفظ للبخاري.- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي. يقول: يا ويله، أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأُمرت بالسجود فعصيت فلي النار»(6). اللفظ لمسلم.إذا قرأ ابن آدم السجدة: معناه آية السجدة.ويستفاد مما سبق:1- أن الله خلق آدم عليه السلام على صورة الرحمن؛ ففيه من صفات الرحمن الشيء الكثير.2- أن التحميد عند العطاس سنة ابتدأها أبونا آدم عليه السلام.3- تكريم الله لآدم عليه السلام بأن أسجد له ملائكته الكرام، وعلمه أسماء كل شيء. _________________________(1) أخرجه البخاري برقم (3326) (6227)، ومسلم برقم (2841).
(2) أخرجه مسلم برقم (2612).
(3) هذا تعليق هام حول معنى الحديث:
الصورة يعبر بها ويراد الصفة، فهذه صورة هذا الأمر؛ أي صفته، فيكون المعنى خلق الله آدم على صفته من الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة
وبهذا يتبين أن الصورة كالصفات الأخرى ، فأي صفة ثبتت لله تعالى بالوحي وجب إثباتها والإيمان بها. وأنَّ الصورة هنا بمعنى الصفة؛ لأنَّ الصورة في اللغة تطلق على الصفة.
كما جاء في الصحيحين أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة - الألنجوج عود الطيب - وأزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء) صحيح البخاري ( بشرح الفتح) كتاب الأنبياء، باب خلق آدم وذريته (6/ 417) رقم(3326)، صحيح مسلم (بشرح النووي) كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب فى صفات الجنة وأهلها وتسبيحهم فيها بكرة وعشيا(9/ 3947)، رقم(7018)
يعني على صفة القمر من الوضاءة والنور والضياء، فقوله صلى الله عليه وسلم «إن الله خلق آدم على صورته»؛ يعني خلق آدم على صورة الرحمن ، يعني على صفة الرحمن، فخص الله آدم من بين المخلوقات بأنَّ جعله مَجْمَع الصفات، وفيه من صفات الله الشيء الكثير؛ يعني فيه من أصل الصفة على التقرير من أنَّ وجود الصفة في المخلوق لا يماثل وجودها في الخالق، فالله له سمع وجعل لآدم صفة السمع، والله موصوف بصفة الوجه وجعل لآدم وجهاً، وموصوف بصفة اليدين وجعل لآدم صفة اليدين، وموصوف بالقوة والقدرة والكلام والحكمة، وموصوف ـ بصفة الغضب والرضا والضحك إلى غير ذلك مما جاء في الصفات؛ فإذن هذا الحديث ليس فيه غرابة كما قال العلامة ابن قتيبة رحمه الله قال (وإنما لم يألفه الناس فاستنكروه (شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، محمد صالح العثيمين، (1/109)
وممن أشار إلى هذا القول أيضا إسحاق بن راهويه، والإمام أحمد، فعن إسحاق بن منصور الكوسج قال: قلت لأحمد: " لا تقبحوا الوجوه فإن الله خلق آدم على صورته" أليس تقول بهذه الأحاديث؟ قال أحمد: صحيح .
وقال ابن راهويه: "صحيح، ولا يدعه إلا مبتدع، أو ضعيف الرأي (الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة، أبو عبدالله ابن بطة، مرجع سابق، (3/ 266(
وعلى هذا جمهور أهل السنة بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية – وهو ممن انتصر لهذا القول وأطال الكلام جدا على هذا الحديث- قال: لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في الحديث عائد إلى الله تعالى ، فإنه مستفيض من طرق متعددة ، عنعدد من الصحابة ، وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك. (بيان تلبيس الجهمية، ابن تيمية، القسم السادس (2/ 396)
وقال الطبراني في كتاب السنة : حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل قال: قال رجل لأبي : إن رجلاً قال : خلق الله آدم على صورته , أي صورة الرجل , فقال : كذب , هذا قول الجهمية، وأي فائدة في هذا (عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن، حمود بن عبد الله التويجري، ص64 وما بعدها)
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ثلاثة عشر وجهاً لإبطال القول بعود الضمير على غير الله، وتسعة أوجه لإبطال القول بعود الضمير على آدم. انظرها في (عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن، حمود بن عبد الله التويجري، ص64 وما بعدها)
ومما يستدل له على ذلك ما جاء من طريق الأعمش , عن حبيب بن أبي ثابت , عن عطاء , عن ابن عمر بلفظ:" لا تقبحوا الوجه , فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن أخرجه عبدالله بن أحمد في السنة،(1/ 268) رقم( 498 ) , وابن أبي عاصم في السنة) 417( , وأخرجه ابن خزيمة في التوحيد وإثبات صفات الرب جل وعلا ( 1 / 85 ) , وأخرجه الآجري في كتاب الشريعة ( 2/ 107 ) و الدارقطني في الصفات(1/ 37)، رقم ( 45 , 48 ) , و البيهقي في الأسماء والصفات، (2/ 64)، رقم ( 640 ) كلهم من طريق جرير عن الأعمش به )
وهذا نص صريح في أن الله تعالى خلق آدم على صورته.وهذا النص لا يحتمل التأويل، ومن تأوله فقد أبعد النجعة وتكلف غاية التكلف، وقد صححه جمع من العلماء كالإمام أحمد وإسحاق وابن تيمية وابن حجر وقد بين مذهب أهل السنة في ذلك من العلماء المعاصرين الباز والعثيمين وللإستزادة ينظر (أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، سليمان الدبيخي ، ص 125وما بعدها)
وكما قال ابن قتيبة: والصورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين ، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن ، ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأت في القرآن ، ونحن نؤمن بالجميع ، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولاحد (تأويل مختلف الحديث، أبو محمد ابن قتيبة الدينوري، ص(206)
قال الذهبي رحمه الله في السير في ترجمة محمد بن إسحاق بن خزيمة – وهو ممن لجأ إلى التأويل في حديث الصورة - : ( وكتابه في التوحيد مجلد كبير , وقد تأول في ذلك حديث الصورة , فليعذر من تأول بعض الصفات , وأما السلف فما خاضوا في التأويل، بل آمنوا وكفوا , وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله , ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده – مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق – أهدرناه , وبدعناه , لقل من يسلم من الأئمة معنا , رحم الله الجميع بمنه وكرمه (سير أعلام النبلاء ( 14/374 -376).
(4) أخرجه الترمذي برقم (3368)، وابن سعد في الطبقات (1/27 – 28)، والبيهقي في الأسماء والصفات (ص 324 – 325)، والحاكم (1/64) (2/325) (4/263) 2/585 – 586)، والطبري في تاريخه (1/96) وابن أبي عاصم في السنة برقم (203، 205، 206) وابن حبان كما في الموارد (2082).
وقال الترمذي: حسن غريب. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
(5) أخرجه البخاري حديث رقم (4476، 6565، 7410، 7440، 7510)، ومسلم حديث رقم (193).
(6) أخرجه مسلم برقم (81).